روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | في صفات الداعية.. الإخلاص (2)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > في صفات الداعية.. الإخلاص (2)


  في صفات الداعية.. الإخلاص (2)
     عدد مرات المشاهدة: 2776        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فلا زلنا- حبيب القلب- نتذاكرُ أحوالَ الإخلاص والتذلل، ونتجاذب أطراف حديث الصدق والتبتل، في حال سلفنا من إخلاصهم القول والعمل، وتخوفهم صغيرَ العُجبِ والزلل، مع قمعهم النفس وعصيانها، وهضمها في الله وإذلالها.. وإليك بعض النماذج في ذلك:

ها هو سفيان الثوري يلتقي الفضيلَ بن عياض، ف يتذاكران فيبكيان، فيقول سفيان: إني لأرجو أن يكون هذا أعظمَ مجلسٍ بركة، فقال له الفضيل: بل أخاف أن يكون أعظمَ مجلسٍ شؤما، أليس نظرتَ إلى أحسن ما عندي فتزينتُ لك، وتزينتَ لي، فعبدتني وعبدتُك؟ فبكى سفيان حتى علا نحيبُه ثم قال: أحييتني أحياك الله.

وهكذا كان الفُضيل عابدَ سرٍ كصاحبه ابن المبارك الذي قال فيه ابن مهدي: (له فضلٌ في نفسه، صاحبُ سرائر، ما رأيته يظهرُ تسبيحًا ولا شيئًا من الخير).

والنخعي أيضًا كان مجتهد سر، إذا رآه أحدٌ حال تلاوته القرآن أخفى المصحف رغبة في خلوص القربات..

واعجب من زين العابدين وحفيد الزاهدين علي بن الحسين، الذي كان يحمل خبزَ الليل، يتصدقُ به على الفقراء وهو يقول: صدقةُ الليلِ تطفئُ غضبَ الرب. وما عرف أولئك الفقراءُ متصدقَ الليل هذا إلا بانقطاعِ الخبز عنهم لوفاته، ورؤيةِ آثار حملها على كتفيه عند مماته.. رضي الله عنه وأرضاه.. ما أعظمه من رجل!

بيد أن الأمر ما اقتصر على الرعيل الأول، فانظر كيف تحيَّرَ القائدُ مَسلمةُ بن عبد الملك من ملثمٍ خفي، بارزَ وقاتل، ونازلَ الكفرَ وصاول، فإذا الفتحُ على يديه، وهو مجتهدٌ في سترِ وجهه، وإخفاءِ نفسه.. وهكذا فروسيةُ الدينِ الخالص!

ويرِقُّ الزاهدُ بكرُ بن عبد الله المزني في عرفة فيقول: لولا أني بينهم لقلت: قد غفر الله لهم. ذكره الذهبي ثم قال: (قلت هكذا ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها).

فما عليك أخي الداعية لو اقتفيت أثرهم فرددت خلف ابن تيمية قوله:

أنا الفقيرُ إلى رب البريات *** أنا المسكينُ في مجموع حالاتي

أنا الظلومُ لنفسي وهي ظالمتي *** والخيرُ إن يأتنا من عنده يأتي

والفقرُ لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدا *** كما الغنى أبدا وصفٌ له ذاتي

فمن بغى مطلبًا من غير خالقه *** فهو الجهولُ الظلومُ المسرفُ العاتي

غير أن الحسن البصري أبانَ معالِمَ عبادةِ السرَّ عند سلفنا فقال: (إن الرجل ليكون قد جمع القرآنَ وما يشعرُ به جارُه، وإنه ليكون فقِهَ الفقهَ الكثيرَ وما يشعرُ به الناس..، ولقد كانوا يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم عز وجل).

نعم أيها الداعية الأريب: إنها لمقاماتٌ عجيبة، ومراتب في الصدق رفيعة، لأقوامٍ ما رأت الدنيا مثيلَهم، ولا عرف التاريخُ نظيرَهم، وهيهات هيهات له ذلك..

أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتك- يا جريرُ- المجامعُ

ولنا فيهم خيرُ أسوةٍ وقدوة.. جعل اللهُ أعمالنا خالصةً لوجهه، لا حظَّ فيها لأحدٍ من خلقه.. والحمد لله رب العالمين.

الكاتب: محمد العيساوي.

المصدر: موقع كتاب عبد الله بن مسعود.